1-المنهج الاجتماعي

إن أول سؤال يواجهنا في بدء الحديث عن المناهج النقدية هو : ما هو المنهج النقدي ؟
يقصد بالمنهج النقدي في مجال الأدب تلك الطريقة التي يتبعها الناقد في قراءة العمل الإبداعي و الفني قصد استكناه دلالاته و بنياته الجمالية و الشكلية، ويعتمد على التصور النظري والتحليل النصي التطبيقي . وتتحدد طبيعة المنهج النقدي حسب الجانب الذي يهدف إبرازه من خلال النص الأدبي، إذ قد يسعى إلى استكناه التمظهرات النفسية أو الجمالية أو اللغوية أو الاجتماعية ، فنكون تبعا لذلك أمام المنهج النفسي أو الفني أو البنيوي أو المنهج الاجتماعي . فما هو المنهج الاجتماعي ؟
إن المنهج الاجتماعي في الأدب هو ذلك المنهج الذي يعمد إلى قراءة النصوص الأدبية وتحليلها من منظور قدرتها على التعبير عن الوسط الاجتماعي الذي أنتجها، وبذلك فهو منهج يتعامل مع الظاهرة الأدبية ليس بوصفها ظاهرة مستقلة بذاتها وبخصوصياتها وتميزها الإبداعي ، وإنما باعتبارها غير منفصلة عن شروط إنتاجها الاجتماعية، وبالتالي فهي تحمل داخلها آثار المجتمع والجماعة والمؤسسة الأدبية التي أنتجتها .
وبهذا المعنى فإن علم اجتماع الأدب يبحث أساسا عن العلاقات التي تربط الإبداع الأدبي بالشروط الاجتماعية المؤطرة له، وذلك عبر التأويل الاجتماعي للإبداع وتتبع الخلفيات الاجتماعية المتحكمة في إنتاجه و استهلاكه، ومدى تعبيره عن الصراع الدائر في المجتمع .
وينطلق هذا المنهج من مبدأين اثنين : - إن الأديب لا يعيش معزولا عن بيئته ووسطه الاجتماعي الذي يظهر فيه .
+ إن الإنتاج الأدبي ليس منفصلا عن السياق الاجتماع الذي يظهر فيه .
وتبعا لهذين المبدأين فالمنهج الاجتماعي ينظر إلى الأدب من زاويتين :
- الأدب صورة عن المجتمع، يعكس علاقات اجتماعية، ويتبنى موقفا من الصراع الدائر في المجتمع.
- الأدب موجه إلى الاستهلاك الاجتماعي والتأثير في المتلقين وتشكيل أذواقهم وتغيير سلوكاتهم وبالتالي فالأدب يعمل كوسيلة من وسائل الضبط الاجتماعي .
من هذا المنطلق ، إن وظيفة الأدب تتحدد في كونه مرآة تعكس الحياة الاجتماعية في مختلف أبعادها وعلاقات الصراع الدائرة فيها. غير أن النقاد تجاوزوا ذلك إلى فرض نوع من المحاكمة لهذه الأعمال ومبدعيها بتقييد حرياتهم بانتماءاتهم الطبقية أو جذورهم الاجتماعية، فظهر ما يعرف بنظرية الالتزام في الأدب .
ومن أبرز الذين اهتموا بموضوع علم اجتماع الأدب ، نذكر الناقد المجري جورج لوكاتش الذي أكد على أهمية رصد التفاعلات بين الأجناس الأدبية و التطور الاقتصادي و الاجتماعي.كما نذكر الناقد الفرنسي لوسيان كولدمان الذي أفرز من خلال أعماله النقدية للرواية مفاهيم جديدة في النقد الاجتماعي ، تجاوزت مفهوم الانعكاس ، منها مفهوم " رؤية العالم". ومن أبرز النقاد العرب الذين وظفوا المنهج الاجتماعي في قراءاتهم الأعمال الأدبية : محمد مندور، محمود أمين العالم، غالي شكري ونجيب العوفي وإدريس الناقوري...
عموما إن المنهج الاجتماعي لا يقف عند حدود الوصف و التفسير، بل يتعدى ذلك المستوى إلى فهم الأعمال الأدبية وتحليلها والحكم على وظيفتها ودرجة التأثير أو الأثر الفني و الجمالي الذي تحدثه في المتلقي، وهذا ما يكسبه موقعا هاما ضمن المقاربات النقدية للنصوص الأدبية، على اعتبار أنه ساهم بقسط وافر في تجديد أشكال وأدوات مقاربة العمل الأدبي ، انطلاقا من فكرة الاتصال الوثيق الموجود بين الأعمال الأدبية و الشروط الاجتماعية والتاريخية و الثقافية التي أفرزتها.