منتدى عين أسردون
بكل الحب و التقدير نرحب بزوارنا الأعزاء في منتداهم .
عين أسردون مساحة للتعبير ، للحوار ، للمعرفة ، للسفر في عالم الكلمة الساحرة
منتدى عين أسردون
بكل الحب و التقدير نرحب بزوارنا الأعزاء في منتداهم .
عين أسردون مساحة للتعبير ، للحوار ، للمعرفة ، للسفر في عالم الكلمة الساحرة
منتدى عين أسردون
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أدب -فكر-إبداع-تربية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 دراسة المؤلفات " اللص و الكلاب" نجيب محفوظ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 31
تاريخ التسجيل : 18/02/2011

دراسة المؤلفات " اللص و الكلاب" نجيب محفوظ Empty
مُساهمةموضوع: دراسة المؤلفات " اللص و الكلاب" نجيب محفوظ   دراسة المؤلفات " اللص و الكلاب" نجيب محفوظ I_icon_minitimeالأحد أبريل 10, 2011 5:20 am

الدراسة التحليلية للنص الروائي
رواية " اللص و الكلاب " لنجيب محفوظ نموذجا

أولا - القراءة التوجيهية
1- نجيب محفوظ
نجيب محفوظ من أكبر الروائيين العرب في القرن العشرين، نال شهرة واسعة بدوره الكبير في النهوض بالرواية العربية وتطويرها لتحتل موقعا متميزا في الأدب العربي في وقت كانت فيه الهيمنة للشعر.
ولد محفوظ بحي الجمالية بالقاهرة القديمة سنة 1911، تلقى تكوينه الأساس بالكتاب ، ثم التحق بمدرسة بين القصرين الابتدائية، انتقل مع أسرته سنة 1924 إلى حي العباسية، حصل على شهادة البكالوريا والتحق بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول وتخرج من قسم الفلسفة 1934.
نشرت أول رواية لمحفوظ "عبث الأقدار"1939، وتدرج مع الرواية التاريخية، لينتقل إلى الرواية الاجتماعية مع " القاهرة الجديدة"و" خان الخليلي"،" زقاق المدق"،"بداية ونهاية"، ثم ثلاثيته المشهورة:"بين القصرين "،" قصر الشوق"و" السكرية"، لينتقل إلى الرواية ذات الطابع الرمزي التي تجسد فلسفة الشك والبحث عن اليقين مع رواية"اللص و الكلاب"،"السمان والخريف"، "الطريق"و "الشحاذ" ...
نال نجيب محفوظ عددا من الجوائز خلال مسيرته الأدبية أهمها جائزة نوبل في الآداب سنة 1988، وتوفي 31غشت 2006.
2- سياق الرواية و العنوان
توقف نجيب محفوظ عن الكتابة لمدة خمس سنوات لقيام الثورة 23يوليوز1952 معتقدا أن الحلم الكبير قد تحقق بإعلان الجمهورية ورحيل جيش الاحتلال وبداية بناء الدولة الوطنية الاشتراكية ، لكن هذا المجتمع الجديد لم يحقق كل الآمال التي راهن عليها المثقفون وكل الجماهير الشعبية، حيث بدأت تظهر تناقضات من خلال تفشي القمع وظهور فئات استفادت من النظام، فكثرت المظاهرات و الاعتقالات، فعادت روايات محفوظ للظهور يصور فيها عوالم الفساد وآثاره على المجتمع.
في هذا السياق تأتي رواية "اللص والكلاب"(1961) لتدين واقعا اجتماعيا متحولا لم يكن في صالح الشعب، ولتكشف المتناقضات السارية في المجتمع وما يترتب عنها من ظواهر اجتماعية سلبية.
وعندما نتأمل عنوان الرواية" اللص والكلاب" نجده يجسد بامتياز نوعية العناوين التي كان يختارها محفوظ لأعماله السردية، لكن هذا العنوان يستوقفنا لكونه ركز على الشخصيات بربطه بين "اللص" و "الكلاب"، وإذا كانت صفة اللص تحيل على ممارسة مرذولة في سلوك الإنسان، فإن الكلاب في علاقتها باللص تشير إلى بعد تعييني واحد هو "المطاردة"، أي أن هذه الكلاب مدربة و بالتالي فهي كلاب البوليس، كل هذا يفضي إلى أن هناك جريمة أو سرقة و اللص مطلوب للعدالة فتمت مطاردته.
كما أن هذا العنوان وهو يركز على الشخصيات، يجعلنا نتنبَّه إلى اختلاف عالمي هذه الشخصيات، فهناك من جهة عالم إنساني (اللص) وهناك من جهة أخرى عالم حيواني( الكلاب)، مما يجعلنا أمام افتراضين متناقضين:
- افتراض بسيط نفهم بموجبه العنوان فهما عاديا ويتمثل في علاقة المطاردة : البوليس يطارد لصا قام بسرقة أو قتل بواسطة
كلابهم المدربة .
- افتراض يفضي إلى أبعاد أخرى بخصوص العلاقة بين الشخصيات تصاغ في أسئلة متعددة : ما هي هوية اللص؟ ما الذي
دفعه إلى اللصوصية؟ هل هذه الكلاب حقيقية (حيوانية) أم هي شخصيات (بشرية) ألصقت بها بعض صفات الكلاب لممارسات معينة قامت بها خصوصا ونحن نعلم أن كلمة الكلب يمكن أن توظف للتمجيد والثناء أو للتحقير و الدناءة ؟
إذا سلمنا بكل هذا فالعنوان يضعنا أمام نوع محدد هو الرواية البوليسية ذات الحبكة النمطية حيث اللص مطلوب ومطارد , وحيث الكلاب هي أداة الإمساك به.
إن العنوان رغم بساطته وطابعه المباشر فهو يعطف بين نمطين من الشخصيات ينتميان إلى عالمين مختلفين، مما يضطرنا إلى طرح أسئلة متعددة توجهنا إلى دخول عالم الرواية باحثين ومستكشفين و متسائلين: من هو اللص في الرواية ؟ ما هي صفاته؟ لماذا أصبح لصا؟ من هم الكلاب؟ وما طبيعة العلاقة بينهما؟

ثانيا – القراءة التحليلية
1- المتن الحكائي
* جرد الأحداث

تبتدئ رواية " اللص والكلاب"بخروج سعيد مهران من السجن، وتنتهي باستسلامه للبوليس بعد مقاومة يائسة. إذا كان بطل الرواية قد دخل السجن –سابقا- بسبب ا لسرقة ،فإن وقوعه بين أيدي البوليس في نهاية الرواية جاء على إثر ارتكابه جريمتي قتل وحيازة السلاح . بين الخروج من السجن والاستسلام للبوليس تجري أحداث أساسية انتهت نهاية مأساوية، حيث قُدِّر للبطل أن يجد نفسه، خارجا إلى عالم الحرية، مضطرا إلى القيام بأعمال تودي به إلى السجن من جديد. فكيف كان ذلك ؟ وما هي الأحداث التي ساهمت في صنع هذا المصير المأساوي؟
* الخــــــروج : نفتح الرواية وسعيد مهران خارج لتوه من السجن، متوجها صوب البيت الذي توجد فيه زوجته نبوية التي تزوجها تابعه عليش سدرة ، بهدف استرجاع ابنته سناء محتقنا وممتلئا حقدا على زوجته التي طلبت منه الطلاق لتتزج تابعه، وجدها تنتظره رفقة عليش و المخبر حسب الله ، وفي لقاء متوتر طالب سعيد مهران باسترداد ابنته التي لم تعرفه ورفضت الذهاب إليه، وأمام إلحاح مهران على أخذ ابنته أصر المخبر على أن الأمر بيد المحكمة .
هذا هو أول فشل يلقاه سعيد مهران بعد الخروج، ولم يبق أمامه غير البحث عن المأوى و العمل .
* البحـــــث : يخرج مهران بعد مغادرة بيت نبوية وعليش أكثر حقدا وغضبا، ويتوجه باحثا عن مأوى يلجأ إليه ولو مؤقتا، فلم يجد أمامه غير مقام الشيخ علي الجنيدي، هذا المقام عبارة عن مسجد يقيم فيه الشيخ وبابه مفتوح أبدا للمصلين والذاكرين. يلجأ مهران إلى الجنيدي مذكرا إياه بأبيه العم مهران الذي كان دائما يتردد على مقامه، يتعرف من خلال هذه الزيارة على جزء من طفولته أيام كان يصطحبه أبوه إلى مقام الشيخ. يبث إليه نجواه وشجونه و يخبره بكل ما صار معه ، لكن الشيخ كان يخاطبه بلغة لم يتواصل معها . وفي اليوم التالي تصفح سعيد جريدة الزهرة باحثا عن عنوان صديقه وأستاذه القديم الصحفي رؤوف علوان يتذكر علاقته به وكيف أنه لعب دورا كبيرا في تشكيل شخصيته. يزور الجريدة و يتبين له الموقع الجديد الذي صار يحتله رؤوف علوان في المجتمع ، لم يتحقق اللقاء وبحث عن عنوان بيته و انتظره حتى عودته. وصل علوان وبعد التعرف إليه اصطحبه إلى قصره وشعر سعيد أن صديقه يجامله فقط، وبعد نقاش يسأل سعيد صديقه أن يجد له عملا في الجريدة ، فرده رؤوف خائبا ويمنحه ورقتين من خمسة جنيهات ، مبينا له أن علاقتهما لا يمكن أن تستمر.
يخرج مهران من لقائه مع علوان بفشل ذريع ينضاف إلى فشله في استرجاع ابنته. وبينما هو مستلق قرب شاطئ النيل راودته أحاسيس متضاربة جراء لقائه بعليش وعلوان ، إنهما لا يختلفان وعليه الانتقام منهما ، وليبدأ بسرقة المكان الأقرب إليه (قصر رؤوف علوان). ينجح في اقتحام البيت ويجد علوان له بالمرصاد ومعه رجاله ، توسل إليه مهران بأن لا يخبر البوليس، يخرج منهارا ويتضاعف فشله وتنسد أمامه الأفق و الفرص، فيزداد حقدا على نبوية وعليش وعلوان وتتعزز لديه فكرة الانتقام من هؤلاء الثلاثة ، ولم يبق أمامه سوى البحث عن أداة لتنفيذ ما قرره: القتل . ولتنفيذ ذلك توجه إلى مقهى صديقه المعلم طرزان الذي يستقبله بالأحضان، ويسأله سعيد عن مسدس ورصاص، فمكنه من ذلك، وبشره بوجود صديقته القديمة نور التي استدرجت ابن صاحب مصنع الحلوى بسيارته إلى الصحراء قرب المقهى، حيث اتفقت نور ومهران على سرقة السيارة بطريقة تبعد الشبهة عن نور، وبالفعل تمكنا من ذلك فحصل على الأداة الثانية التي ستساعده على تنفيذ مخططه .
* الجريمــــة : إن كل ما عاشه مهران بعد خروجه من السجن أجج الحقد الدفين في قلبه على أعدائه ، وبامتلاكه الرصاص وأداة الهرب لم يبق غير التنفيذ. ترك السيارة قريبة من بيت عليش ونبوية، حطم زجاج النافذة، وحينما تقدم إليه شبح أطلق الرصاص عليه وولى هاربا وآوى إلى مقام الشيخ الجنيدي. تبين له في اليوم التالي أن القتيل هو شعبان الذي سكن بيت عليش الذي أخلاه مباشرة بعد خروج مهران من السجن خوفا من الانتقام .
* المطــــاردة : يتولد عن هذه الجريمة حدث جديد هو المطاردة التي تؤدي إلى اختفاء سعيد الذي ما يزال مصرا على الانتقام . إن المطاردة هنا مزدوجة: من جهة الصحافة التي تؤلِّب الرأي العام ضد مهران بمجهود من علوان، وهناك من جهة ثانية الأمن و البوليس و المخبرون .
يختبئ سعيد أولا في مقام الشيخ الجنيدي ويتسلل ليلا إلى القرافة حيث يوجد بيت نور التي مكنته من الثوب لخياطة لباس البوليس للتمويه، إذ ينتقل إلى مقهى المعلم طرزان للسؤال و التقصي عن أخبار نبوية وعليش لكنه أخفق في ذلك، فبدأ يفكر في قتل علوان، لذلك توجه إلى قصره ليلا، وتربص قربه، وبمجرد نزول سائق السيارة متوجها إلى القصر ناداه و أطلق النار في اتجاهه وأرداه قتيلا، وتم تبادل إطلاق النار جرح على إثرها مهران، ورغم ذلك تمكن من العودة إلى بيت نور.
يتضح في الغد،من خلال الجرائد،أن المقتول بواب رؤوف علوان،تزداد حسرات ووساوس سعيد مهران، فهو لا يقتل غير الأبرياء، في حين يظل المجرمون الحقيقيون بمنأى عن أهدافه، وتتواصل عليه المطاردة.
* الاستســـــلام : يختفي سعيد في بيت نور التي لم تعد إليه، فأضر به الجوع، فخرج ليلا إلى مقهى المعلم طرزان الذي عاتبه على تصديه لعلوان، ونبهه إلى وجود المخبرين وقدم له الطعام، وفي طريق عودته اعترضه ضابطان ، شك أحدهما فيه فانهال عليهما ضربا، ونجا منهما إلى بيت نور التي لم تعد أبدا.
في اليوم التالي جاءت ربة البيت محتجة على تأخير دفع إيجار البيت، فعلم مهران أن بقاءه في هذا البيت مستحيل، فغادره في منتصف الليل قاصدا مسكن الشيخ الجنيدي، لكن تبين له أنه نسي البذلة في بيت نور وعليه أن يسترجعها قبل فوات الأوان، إذ ستكون العلامة التي يستدل بها البوليس بواسطة الكلاب. خرج ليلا متسللا إلى بيت نور، ولما دخله وجد صاحب البيت أمامه، فدفع الرجل بعنف وولى هاربا قاصدا مقام الجنيدي. كانت الليلة ليلة ذكر في المقام ، وعند الفجر يسمع خبرا عن حصار الحي ، فيخرج هاربا نحو المقابر، وتمت المطاردة، حاول المقاومة، وانتهى إلى الاستسلام.
الرهـــــــان
الرهان هو مجموع المقاصد و الغايات التي يسعى الكاتب إلى تحقيقها من خلال النص ، لذلك نجده يختار الاستراتيجيات و الوسائل التي تمكنه من ذلك ، غير أنه يجب التمييز بين نوعين من الرهان :
* رهان القصة : ويتعلق بالمقاصد التي يسعى سعيد مهران إلى تحقيقها في إطار القصة .
* رهان النص : ويتعلق بالمقاصد و الغايات التي يسعى الكاتب إلى تحقيقها من النص الذي كتبه.
إن اللافت للنظر أن نجيب محفوظ، من خلال الاختيارات الحكائية التي تبناها ، لم يدرج بطله في عداد المجرمين، ولم يكن غرضه كتابة رواية بوليسية، وإنما ارتقى به إلى المستوى الذي أهله إلى مساءلة الواقع ومحاكمة رموز الفساد و الخيانة. ويمكن أن نجمل الأهداف التي كان سعيد يسعى إلى تحقيقها فيما يلي :
- شجب مؤامرة الصمت التي اجترفت طبقات اجتماعية وفئات من المثقفين، وأعمتها عن فضح ما يحفل به الواقع من تناقضات صارخة ومشاكل متفاقمة، حرصا على تحقيق أغراضها الشخصية .
- أراد أن يبين، من خلال معارضته التي اتخذت طابعا فرديا و عبثيا ، أنه يمثل خلاصا لملايين من البشر يعيشون مثله، وحلما يعيد إليهم بارقة الأمل للعيش الرغيد:" إن من يقتلني إنما يقتل الملايين، أنا الحلم و الأمل وفدية الجبناء..." .
- قتل رؤوف علوان باعتباره رمزا للخيانة التي تطوي تحتها نبوية و عليش و جميع الخونة فوق الأرض ، وبالتالي فإن قتله يعد محطة أساسية في حياته لاقتلاع الهواجس العبثية من جذورها.
إن الرهان الذي سعى إليه سعيد لم يتحقق، لهذا فقد كان بإمكان نجيب محفوظ أن يختار استراتيجية أخرى لبناء مادته الحكائية ، ويحقق لرهان بطلها مسارا آخر غير الذي تم تقديمه، خصوصا وأن الرواية تتيح إمكانات عديدة لتغيير المسار: حصول سعيد على عمل في الجريدة، أو حصوله على ابنته، أو عدم تسليم المعلم طرزان المسدس له أو تزوجه بنور... فلماذا قرر المؤلِّف تقديم هذا البرنامج دون غيره بالرغم من تعدد الاختيارات؟
حين يكتب الكاتب، في زمان ومكان معينين، فإنه يرتهن بعوامل متعددة : فنية واجتماعية و تاريخية وثقافية، ويسعى من وراء ذلك إلى تحقيق مقاصد معينة أبرزها إعطاء صورة عن المجتمع المصري بعد ثورة يوليوز 1952 وما يحفل به من متناقضات وظواهر سلبية : الفساد ، تغير قيم الناس ، التسلق الطبقي ، المصلحة الخاصة ...
المغزى من الرواية ودلالة الحدث
تمثل رواية " اللص والكلاب " تجسيدا واضحا لصراع غير متكافئ بين ممثل القيم الأصيلة و الزائفة، صراع يندد من خلاله البطل بالخيانة، لذلك سعى إلى التعبير عن رفضه وإدانته بالرصاص الذي كان أداته الوحيدة ، لكنه لم يصب الهدف لأنه كان يفتقر إلى التنظيم و الوعي.
لقد انتهج مهران العمل الفردي الذي لا يمكن أن يؤدي إلى أية نتيجة إيجابية و أدى بالمقابل إلى نهاية مأساوية . ولعل من أسباب هذه الوضعية – إلى جانب اختيار العمل الفردي- عدم وضوح الرؤية الاجتماعية لدى سعيد مهران، مما أدى به إلى الفشل الذريع ،فهو يرى أنه على حق، وهو يقاوم الظلم الاجتماعي، لكنه كان ينطلق من أفكار خاطئة ، لقد تداخل لديه البعد الذاتي المحض ( الانتقام من خائنيه ) بالعمل ضد النظام ( البوليس و الكلاب)، وحين يتداخل الذاتي بالإجتماعي- مع غلبة الذاتي- تكون النتيجة: العزلة و الفردانية و الهزيمة و الفشل.

القوى الفاعلة
أ‌- جرد القوى الفاعلة

يختزن عنوان الرواية إشارات إلى شخصية إنسانية ( اللص) و حيوانية ( الكلاب)، مما يدل على وجود نمطين من القوى الفاعلة : قوى فاعلة إنسانية تحمل أسماء أعلام تجعلها تنتمي فعلا إلى عالم الإنسان، وقوى فاعلة حيوانية محض هي كلاب البوليس، لكن الرواية تحفل بالعديد من الإشارات التي تقدم القوى الإنسانية موسومة بصفات حيوانية تسلب عنها بعدها الإنساني لتلحقها بعالم الحيوان بسبب أفعال تقوم بها
القوى الفاعلة الإنسانية :
1- الشخصية المحورية: يمثل سعيد مهران قطب رحى الرواية ومحورها المركزي، حيث جعله السارد مدار كل الأفعال التي تتحقق في الرواية . فمن هو سعيد مهران
إنه ابن بواب عمارة الطلبة السيد عم مهران. من أسرة فقيرة، حاول أبوه تزويده بتربية دينية، لذلك كان يصطحبه معه إلى مقام الشيخ الجنيدي، لكن سعيدا لم يندمج مع هذا العالم. تابع دراسته حتى شارف الجامعة، ولكنه لم يدخلها لضيق ذات اليد. لعب رؤوف علوان دورا كبيرا في تعليمه وساهم في توجيهه. هاجر سعيد بعد ذلك بيت الطلبة سعيا وراء الرزق، فعمل في السيرك، وتعرف إلى نبوية التي أحبها بعمق وصدق، وتزوجها وأنجبت سناء. احترف السرقة فكثرت ثروته وصار له رجال وأتباع من بينهم عليش سدرة. انتهى إلى السجن بسبب وشاية عليش وقضى فيه أربع سنوات ، خلالها تطلقت منه نبوية لتتزوج عليشًا الذي صارت إليه كل أملاك سعيد و أتباعه. لذلك عندما خرج من السجن كان له هم واحد هو الانتقام من عليش ونبوية و علوان.
ارتكب جريمتي قتل خطأ لأنه بدل قتل غريميه قتل شخصين لا علاقة لهما به. طارده البوليس وانتهى إلى السجن.
سعيد مهران بطل هذه الرواية له تكوين ثقافي ( شبه مثقف) ، كان يعتقد أن السرقات التي يقوم بها مشروعة لأنها موجهة ضد الأغنياء الذين كانوا يغتصبون خيرات الوطن، وبالتالي فهو مقتنع بأن اللصوصية عمل مشروع لأنه عمل نضالي. لقد اختار المؤلف لبطله اسم "سعيد" للدلالة على معنيين متناقضين: فهو سعيد بعمله لأنه مقتنع بأنه موجه ضد أعدائه الطبقيين، لكنه "شقي" لم يجر عليه سوى التعاسة. وهو مهران لأنه ماهر وشاطر في سرقاته وقدرته على التمويه والهرب من السلطة لولا الوشاية، ولكنه غير ماهر، بسبب فشله في قتل خصميه من جهة، ووقوعه بين أيدي رجال البوليس على إثر خطأ قاتل ( نسيان البدلة ).
2- الشخصيات الأساسية:
يمكن تقسيم هذه الشخصيات بحسب موقعها و موقفها من الشخصية المحورية قسمين اثنين : الخصوم و المتعاطفون .
الخصــــــــــوم : ونجد ضمن هذه الفئة : نبوية وعليش وعلوان .
• نبوية : يتيمة وفقيرة، كانت تشتغل خادمة عند الست التركية العجوز ، وكانت ذات جمال أخاذ. أحبها سعيد كثيرا وكان صادقا في حبها، لكنها خانت زوجها بعد دخوله السجن وتزوجت من عليش سدرة .
• عليش : من أتباع سعيد مهران أيام عزه ، يأتمر بأوامره ويتلقف ما يتبقى على مائدته. إن عليش ليس سوى خادم مطيع لسيده. وفي علاقته بنبوية كانت مبنية على الاحترام و الخوف من سيده. لكن كما تغيرت نبوية تغير عليش، فوشى به إلى البوليسفتمكنوا من الإمساك به، وبعد أن كان عليش تابعا صار المعلم عليش، فتزوج زوجة المعلم مهران وسطا على أملاكه.
• رؤوف علوان : عرفه مهران عندما كان طالبا ريفيا رث التياب، يتابع دراسته في الحقوق وهو ممتلئ حماسا للتغيير الثوري. لعب دورا كبيرا في تشكيل شخصية سعيد، لذلك أحبه كثيرا. وما إن خرج مهران من السجن حتى توجه إليه يحدوه أمل كبير في كونه سيساعده. لكنه عندما اطلع على كتاباته في الجريدة، وعندما زاره في بيته، تأكد سعيد من التغيير الكبير الذي مس صديقه اجتماعيا ( مكتب فخم وقصر ضخم ) وفكريا مقالات تافهة و أفكار تبريرية ) :" هذا هو رؤوف علوان، الحقيقة العارية، جثة عفنة لا يواريها التراب".
إن ما يجمع بين هذه الشخصيات الثلاث هو الخيانة والانتهازية. لقد كانوا جميعا يمثلون بالنسبة لسعيد مهران الحياة والأمل، لكن انهار كل شيء بالنسبة إليه، بسبب تغيرهم، ولذلك لا يمكن أن يكونوا عنده سوى أعداء.
المتعـــــاطفــــــون : كما كان الأعداء الحقيقيون ثلاث شخصيات ، كان المتعاطفون معه ثلاثا : الشيخ الجنيدي والمعلم طرزان ونور.
• الشيخ الجنيدي : شخصية صوفية ، تقيم في مقام يرتاده المريدون للصلاة، نذر الشيخ حياته للعبادة و استقبال الذاكرين. له ثقافة دينية، باع دنياه بآخرته، هادئ وديع يقوم بصلواته، دائم الخشوع لله" وجه نحيل فائض الحيوية بين الإشراق تحف به لحية بيضاء كالهالة..." . تعرف سعيد إلى الجنيدي رفقة أبيه وهو صغير السن ، فظل يحبه ويجله، وإن كان غير قادر على فهمهن كان يأتي إليه كلما ضاقت به السبل. لم يتغير الشيخ .إنه شخصية نمطية ثابتة، كما تركه وجده،ولقي عنده كل الحنان والأمان اللذين لم يلقهما عند علوان أو عليش .
• المعلم طرزان : المعلم طرزان صاحب المقهى هو أيضا لم يتغير، شهم وابن أصول، فرح كثيرا لخروج سعيد من السجن وظل محافظا هو ورجاله على علاقته به، مكنه من المسدس والرصاص. كان سعيد يلتجئ إلى طرزان في أوقات الشدة، ونبهه إلى وجود المخبرين، إنه مثال للأمانة وحفظ العشرة و المودة. لم يتغير موقفه من سعيد شانه شأن الجنيدي.
• نــــــــــور : بائعة هوى مغلوبة على أمرها.أحبت سعيد مهران حبا حقيقيا ولكنه كان يهتم بنبوية.حافظت على حبه، وفرحت لخروجه من السجن، قدمت له بيتها ليكون مأوى له عندما اشتدت عليه المطاردة، وتكلفت بجلب الطعام له، ساعدته بحيلتها في سرقة سيارة ابن صاحب مصنع الحلوى، حاولت مرارا ثني سعيد عما يعتزم القيام به، ظلت مخلصة له حتى اختفائها .
إن هناك توازيا في تقديم القوى الفاعلة الإنسانية بقسميها العدو والمتعاطف، سواء من حيث عددها وصفاتها وكل ذلك يتحدد من خلال علاقتها بسعيد :
- الخصوم : المتعاطفون :
العدد: شخصيتان ذكوريتان وواحدة أنثى العدد : شخصيتان ذكوريتان وواحدة أنثى
الصفات : الغنى و البذخ الصفات : البساطة والتواضع
التغير والانقلاب في السلوك الثبات والحفاظ على الود
كراهية سعيد مهران المودة الصافية.
شخصية واحدة من بين كل هذه الشخصيات، يحبها سعيد، ولا تبادله الحب نفسه لأنها لا تعرفه، وكان رهانه عليها لتغيير مجرى حياته: إنها ابنته سناء.لقد استحوذت على مجامع فكره وقلبه، وكان يستحضرها كلما تأزم وضعه، ويفكر في مستقبلها. ووقع له الشيء نفسه عندما اختفت نور.غنه يجري مقايسة بين نور وسناء، وحتى اسمهما يحمل الدلالة نفسها. وفي زمن الخيانة يرى أن نورا وسناء هما كل أمله في الحياة.

القوى الفاعلة الحيوانية :
تظهر هذه القوى الفاعلة الحيوانية في نهاية الرواية وقت مطاردة سعيد، وهي المطاردة التي ستؤدي إلى استسلامه في النهاية.إنها الكلاب البوليسية التي تصاحب البوليس في عملية المطاردة.لا نسمع إلا نباحها وهي تصم أذني سعيد. تشممت الكلاب المدربة بدلة نهران.إنها تقوم بوظيفة الكشف عن المخفي و المستور خدمة لأسيادها الذين يقومون بإطعامها.
فما الفرق، إذا، بين هذه الكلاب البوليسية وبين عليش سدرة الذي كان يتمسح بساقي سيده مهران في أيام العز؟أو حينما وشى به وأبان للبوليس عن مخبئه ؟ وما الفرق بين الكلاب ورجال سدرة وقد صار معلما.

ب‌- الوظائف و العلاقات :
يمكن تقديم البنية العاملية العامة للرواية ككل على النحو التالي :

المرســـــــل الـــــــــــــــذات المرسل إليــــــه
الخيانة سعيد مهران العالم الخارجي
وسعيد

المساعد الـــموضوع المعيـــــــق
الجنيدي وطرزان الانتقـــــــــــــام الصحافة والأمن وعليش
ونور ونبوية وعلوان والكلاب

الرؤية السردية
تتحدد وجهة النظر أو الرؤية السردية من خلال الموقع الذي يحتله السارد في سرد المادة الحكائية. ويجعلنا هذا أمام السارد في علاقته بالشخصيات، من حيث اضطلاع كل منهما بدور ما في تقديم أحداث الرواية وموقع كل منهما في الكيفية التي تسرد بها.
تبنى رواية " اللص والكلاب" على شخصية محورية يتخذها السارد مركزا لتقديم أحداث الرواية. يقوم السارد الناظم الخارجي( غير مشارك )بالسرد بضمير الغائب من منظور هذه الشخصية المحورية، فيضطلع بتقديم السرد من الخارج حين يقوم بتأطير الزمان وبداية تشكل الأحداث:" مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية...وهو واحد، خسر الكثير...وسيقف عما قريب أمام الجميع متحديا".
إن السارد من خلال هذا المقطع يبدو كالناظم الخارجي لأنه يضطلع بالسرد من الخارج، لكن عندما ندقق الرؤية في هذا المقطع، نعاين بجلاء أنه لم يكن يصف من الخارج لأن العديد من الصفات التي ركز عليها ذات حمولة نفسية محددة : لم يجد أحدا في انتظاره/ السجن الأصم الأسرار اليائسة...بل إن هذه السمات الذاتية تأخذ بعدا أكثر انفعالا وحدة"... آن للغضب أن ينفجر وأن يحرق..."
إن البعد الذاتي النفسي واضح وجلي. فالسارد يظل يمارس الحكي بضمير الغائب مركزا على انفعالات الشخصية الداخلية، ثم سرعان ما يتحول إلى ضمير المتكلم " لن أقع –سأنقض". هكذا نتبين أن الراوي يتخذ موقع البطل ويسرد لنا من منظوره الخاص ، لذلك كانت تنفذ أحاسيسه وانفعالاته وتبرز مواقفه ورؤيته للأشياء والزمان والمكان وباقي الشخصيات.
إن السارد يحكي من منظور سعيد مهران الذاتي، لذلك نصف هذه الرؤية ب"مع"، لأن السارد يعرف ما تعرفه الشخصية.

الكشف عن البعد النفسي
سعيد مهران شخصية محورية، وفاعل أساس ، وعامل ذات ومرسل، لذلك فلا غرابة أن تبدو الرواية وثيقة نفسية تبرز المجال النفسي الذي يتحدد من خلاله هذا البطل- اللص منذ خروجه من السجن إلى حين استسلامه، وتجعلنا بذلك نتعرف ملامحه النفسية في ذاته وفي علاقته بباقي الشخصيات العدوة والمتعاطفة. وذلك ما يمكننا استنتاجه مما يلي:
1- نفسية سعيد مهران : يتضح البعد النفسي لشخصية سعيد من خلال مرحلتين اثنتين :
مرحلة ما قبل السجن : مرحلة لم تقدم الرواية عنها ما يكفي من المعطيات، ومع ذلك يمكن استخلاص ما يساعدنا على رسم الصورة النفسية للبطل قبل دخول السجن. كان سعيد قبل دخول السجن "معلما" له أتباع من بينهم عليش، وزوجة جميلة هي نبوية وطفلة كانت تعيش في أحضان أب غني . في هذا الجو كانت علاقات سعيد طيبة مع الجميع: زوجة مطيعة،وتابع أمين، ورجال في الخدمة، كما أن علاقته برؤوف علوان كانت ما تزال قوية.وصلته بالمعلم طرزان قوية و متينة. نستنتج أن سعيدا كان يعيش مطمئنا نفسيا مع ذاته ومع زوجته ورجاله وأصدقائه، باستثناء الأغنياء ينغصون عليه حياته لذلك كان دائما يخطط لسرقتهم.
مرحلة الخروج من السجن : لقد قفزت الرواية عن مرحلة السجن ولم تهتم بتقديم تفاصيل عن حياة سعيد في السجن، إلا بعض الإشارات إلى آثارها النفسية: التوتر، فقدان آداب السلوك .عموما ستتناوب مشاعر شتى في الحياة النفسية لمهران بعد خروجه من السجن، يمكن تحديده من خلال الأحاسيس الآتية : الكراهية و المحبة و الندم.
• الكـــــراهية : خرج سعيد من السجن عصبيا متوترا حاد المزاج، يشعر بالوحدة والعزلة وانعدام الأمان، وكان الشعور الطاغي لديه هو الكراهية لمن انقلبوا عليه وسلبوه كل مقومات حياته وسعادته، هذا ما جعله يفكر في الانتقام : نبوية وعليش ورؤوف علوان.
• المحـــــــبة: تطغى الكراهية على امتداد الرواية، لكن مهران كان يملك قلبا يتسع للمحبة التي تتحقق بشكل خاص حيال المرأة، وهذا يظهر بجلاء مع ابنته سناء ومع نور خاصة بعد اختفائها.
• النـــــــــــدم : شعور آخر كان ينتاب مهران ويعاني منه أشد المعاناة ويضاعف من كراهيته وحنقه على أعدائه، وهو المتمثل في قتل البريئين، لذلك وجدناه يحاكم نفسه مباشرة بعد الجريمة الثانية.
هذه الأحاسيس المتناقضة تبين أن سعيدا ليس شخصية نمطية: فهو يكره الخونة والمجرمين، ويتألم لمصير الضعفاء والأبرياء. إنه ليس مجرما، وكان يحس بأنه مظلوم، وأن الخونة والانتهازيين هم المسؤولون عن معاناة الأبرياء و الضعفاء.
2- الاضطراب النفسي : خضع سعيد منذ خروجه من السجن لنوع من الاضطراب النفسي الذي تقدم لنا الرواية أمثلة عنه ، وقد تجلت قمة هذا الاضطراب في نسيان البذلة الذي كان سببا في وقوعه بين أيدي البوليس. لقد غضب سعيد غضبا شديدا عندما انتبه إلى نسيانه البذلة.
إن دوار الرأس والحالة غير الطبيعية وعقلية السجن وكل المضاعفات التي ولدتها لديه المطاردة، والاختباء والسهاد والوحدة والقلق، كلها كانت وراء كبواته وإخفاقاته.لقد ولد لديه هذا الاضطراب سلوكا عدوانيا جعله يتصرف كالمجنون، كما أفقده كل مهاراته السابقة التي كانت تميزه عن غيره من اللصوص ، فأوقعه في شراك الهزيمة .
3- نفسيات الشخصيات : لم تحظ الشخصيات الأخرى بتحليل مشاعرها وأحاسيسها على نحو ما تم بالنسبة لسعيد مهران. ومع ذلك فالمجال النفسي لهذه الشخصيات واضح من خلال علاقتها بسعيد.
إن الشخصيات العدوة تكره مهران تماما كما يكرهها، وهي في نفس الوقت تخاف منه لأنه يتربص بها. كانت عقدة التابع عليش هي التخلص من المعلم والاستيلاء على أمواله وممتلكاته.كما أن علوان رفض مساعدة مهران ليكون معه في الجريدة لأنه يعرف ماضيه جيدا.إنها مشاعر يمتزج فيها الحسد بالحقد والخيانة، فكانت النتيجة الإطاحة بسعيد مهران والانقلاب عليه.
أما الشخصيات المتعاطفة فقد حافظت على مودتها لسعيد وقدمت له العون والمساعدة كل شخصية حسب إمكاناتها: الجنيدي آواه وقدم له النصيحة. المعلم طرزان مكنه من المسدس والرصاص كما قدم له الطعام والنصيحة .أما نور فقد حافظت على حبها الصادق له كما ساعدته على الحصول على سيارة لتنفيذ جرائمه وأيضا فتحت له باب بيتها للاختباء.
بين أحاسيس الكراهية والرفض والتعاطف نجد الشخصيات جميعها تتخذ مواقفها النفسية حيال سعيد مهران لأغراض محددة يعينها واقعها النفسي وانتماؤها الاجتماعي. فالذين يكرهونه و يتمنون القضاء عليه لهم مصلحة خاصة في ذلك، والذين يريدون منه اتخاذ مواقف الحكمة والهداية، يريدون مصلحته، والذين يتعاطفون معه يجدون في أفعاله مادة للتسلية أو موقفا ينتصر لهم مادام يواجه أعداءهم: أي أعداءهم الطبقيين .
تحليل البعد الاجتماعي و التاريخي
أ‌- التفاوت الاجتماعي : تتقدم إلينا الرواية كوثيقة نفسية لشخصية البطل المحوري، وهي أيضا تقدم لنا صورة دقيقة عن المجتمع المصري بعد حوالي تسع سنوات من قيام ثورة الضباط الأحرار بزعامة جمال عبد الناصر1952. ويظهر لنا من خلال شخصيات مجتمع الرواية أن التفاوت الاجتماعي مهيمن إلى حد كبير، وأن اصطفاف هذه الشخصيات مع أو ضد سعيد مهران ، غنما يتم وفق هذا الموقع الاجتماعي. فهناك من جهة الأغنياء الذين اعتاد مهران سرقتهم قبل دخول السجن لأنهم في نظره لصوص وخونة والدولة تساندهم. وهناك من جهة أخرى فئة كسبت الثروة بواسطة الخيانة والانتهازية( عليش و علوان) وصارت لها مكانة اجتماعية. وهناك ثالثا فئات شعبية هامشية تعيش على الهامش حياة بسيطة ومتواضعة.ويمثلها الجنيدي ونور وطرزان
بالرغم من كون هاتين الشخصيتين( عليش وعلوان) من أصول شعبية، فإنها استطاعت بانتهازيتها وخيانتها الاستفادة الاجتماعية،ويصبح لها موقع هام في المجتمع. أما الشخصيات التي تحافظ على كرامتها، فلا يمكنها إلا البقاء على الهامش.
ب‌- التراتبية الاجتماعية : أمام هذا الوضع الذي تستفيد منه طبقة من الخونة والانتهازيين، نجد التراتبية الاجتماعية تسود فيه بشكل كبير، وهي مظهر من مظاهر ذاك التفاوت الاجتماعي، حيث تسعى كل فئة أو طبقة اجتماعية إلى تنظيم حياتها و تأمينها بكيفية جماعية تقوم على التراتبية داخلها. تبدو هذه التراتبية على النحو التالي :
المؤسسة الرسمية : وتتقدم إلينا من خلال الإعلام ( الصحافي علوان) والأمن( رجال الأمن و المخبرون والبوليس والكلاب).
الشيخ والمريدون : لقد اختار المريدون حياة خاصة تقوم على ممارسة الذكر.وعلى رأسهم الشيخ الجنيدي
المعلم ورجاله : فئة اجتماعية أخرى تبرز في علاقة المعلم برجاله وأتباعه.ويمثل سعيد مهران قبل دخوله السجن نموذجا لذلك
وعليش سدرة الذي انقلب عليه واحتل مكانته. وعلى هامش المعلم ورجاله، تعيش فئات اجتماعية خاصة
كالعاهرة نور مثلا. وهذا النوع الأخير يمثل هامش الهامش لأنه بلا نصير ولا معين.
ج- صراع القيـــــم : لقد أدى هذا التفاوت الاجتماعي وتلك التراتبية الاجتماعية إلى تبدل القيم وتصارعها: فهناك من جهة القيم الأصيلة القائمة على الثبات ونجدها عموما لدى الفئات الشعبية( الجنيدي ونور وطرزان ). وهناك من جهة ثانية القيم الزائفة التي تنهض على الخيانة والانتهازية وتمثلها شخصيتا عليش وعلوان اللذان تنكرا للقيم والمبادئ التي يحملانها، وانضما إلى الطبقات الغنية.
ولما كان سعيد يرى نفسه ممثلا للقيم الأصيلة وظل ثابتا في موقفه من الأغنياء اللصوص فإنه سيعمل على مواجهة المتنكرين للقيم الأصيلة،ويكون عدواه الأساسيان: عليش وعلوان، انتصارا منه لقيمه ومبادئه. ولهذا السبب نجد رمزية الحيوان موجهة لهذه الفئة التي ليست في نهاية المطاف سوى حيوانات قذرة: إنهم كلاب.
لكن الصراع غير متكافئ بين " اللص " صاحب المبادئ والقيم، و " الكلاب " الذين تنكروا لماضيهم ( لقد كانوا ضد اللصوص الأغنياء أي الكلاب )، وبذلك انضموا إليهم وصاروا كلابا مثلهم .
د- الخلفية الاجتماعية وأبعادها التاريخية :
لقد استوحى نجيب محفوظ مادته الحكائية، كما يؤكد العديد من دارسي هذه الرواية من واقعة حقيقية للسفاح محمود أمين سليمان الذي روع القاهرة في أواخر الخمسينيات، والذي أصبح بطلا في أعين كثير من المصريين لأنه دوخ البوليس حتى تم قتله أثناء المطاردة. شكلت هذه الواقعة الحقيقية خلفية اجتماعية لرواية " اللص والكلاب "، واستمد منها الروائي ما يمكنه من التعبير عن رؤيته للمجتمع المصري في حقبة تاريخية محددة: بعد الثورة .
لكن نجيب محفوظ أحسن استثمار هذه المادة ليقدم في آن واحد، انتقادا للنظام، وللحركة المناهضة في الوقت نفسه، وكان أن قدم لنا ذلك من خلال رؤية فنية متميزة تعبر عن قدرة فائقة في التقاط تناقضات المجتمع المصري خلال فترة ما بعد ثورة يوليوز 1952.

التنظيم الزمني ورمزية المكان
إن تحليل الزمن في الرواية يفرض علينا التمييز بين نمطين من الأزمنة : زمن القصة ويتعلق بزمن الأحداث داخل الرواية.وزمن النص ويرتبط بزمن الكتابة و القراءة. وفيما يلي بيان لهذين النمطين من الزمن حسب تحققهما داخل الرواية:
• زمن القصة : تجري أحداث الرواية في شهر يوليوز، وتستمر حتى أواسط شهر غشت، أي أن زمن القصة لا يتعدى، على التقريب،ثمانية عشر يوما. ونستدل على ذلك بزمن بداية الرواية وزمن نهايتها.
زمن البداية : لقد أفرج عن بطل الرواية بمناسبة عيد الثورة(23يوليوز1952 )، ويظهر ذلك من خلال المؤشرات الزمنية التالية:" قلنا من القلوب سيفرج عنه في عيد الثورة"وأيضا :" تفاءلنا خيرا بأخبار العيد ". نتبين من خلال هذه المؤشرات أن سراح مهران تم بمناسبة عيد الثورة الذي كان في شهر يوليوز.
زمن النهاية : نبدأ في تعرف زمن النهاية منذ الفصل السادس عشر وقت اختفاء نور، وقد أٌحكم الحصار حول مهران بعد الجريمة الثانية، ومجيء صاحبة البيت الذي تكتريه نور .قالت المرأة محتجة : "اليوم الخامس من الشهر، ولن أصبر أكثر من ذلك".
إذا افترضنا أن زمن البداية هو 23 يوليوز ، فإننا تبعا لهذا المؤشر الزماني في 5 غشت، لكن زمن القصة لم ينته بعد، فنحن في اللحظات الأخيرة من الرواية، فسعيد اختبأ في البيت تلك الليلة، وفي اليوم السادس توجه إلى مسكن الشيخ، فانتبه إلى كونه نسي البدلة، ثم في الليل توجه إلى بيت نور حيث وجد صاحب البيت ودفعه وهرب ، وقصد بيت الشيخ في اليوم الثامن .
بناء على هذه المعطيات يمكن أن نستنتج أن زمن القصة يتحدد بين المؤشرين الزمنيين : 23 يوليوز و10 غشت . لكن الرواية لم تقدم فقط حياة سعيد منذ خروجه من السجن إلى استسلامه ، ولكنها عملت أيضا على تقديم إفادات كثيرة عن مختلف أطوار حياته : وهو طفل صغير مع والده، ثم وهو يمارس أول سرقة، وعشقه لنبوية ، حيث اعتمد السارد تقنية الاسترجاع، ذلك أن الزمن مبني على الترتيب إذ تجري الأحداث في الزمن الحاضر، وعند توقفها يأتي الرجوع إلى الماضي لإضاءة جوانب منه أو لمقابلته بالحاضر.
• زمن النص : لقد كتبت فصول رواية " اللص والكلاب " ونشرت في جريدة الأهرام في خريف 1960، ثم صدرت في كتاب سنة 1961، ومعنى ذلك أنها كتبت ووقائع أخبار من سمته الصحافة المصرية بالسفاح محمود أمين سليمان ما تزال طرية. في هذه الفترة كان نجيب محفوظ قد سلك طريقا جديدا في كتابة الرواية، وهي ما يدرجها النقاد في خانة
" الرواية الرمزية " وقوامها نقد الواقع السياسي الذي جاء خلال الفترة الناصرية بكيفية تتعدى الأسلوب الواقعي.
هذه البنية الزمنية وهي تتحقق داخل فضاء مصر العام، تبرز لنا من خلال بنية الفضاء أو المكان في الرواية تقابلا كبيرا بين الفضاءات المفتوحة و المغلقة: إذ السجن والجريدة كفضاءات تابعة للمؤسسة فضاءات مغلقة،لا يمكن لأي كان أن يقتحمها، فالحرص ورجال الأمن بالمرصاد. لكن مسكن الشيخ مفتوح دائما، وكذلك مقهى المعلم طرزان و بيت نور.
لقد تحرك مهران بين الفضاءات المفتوحة، وهي منفتحة على الجبل أو الصحراء و القرافة حيث يتعايش الموتى مع الأحياء في تآلف عجيب. وللفضاء في الرواية رمزيته الخاصة وعمق دلالته التي أحسن الروائي تأثيثها وفق متطلبات الحبكة الروائية. فزاوج بين النور و الظلام ، والعمران والخلاء، ومساكن الأحياء و قبور الموتى.
الأسلـــوب في الرواية

يمتاز أسلوب نجيب محفوظ في هذه الرواية بالمميزات و الخصائص التالية :
*اللغة : لغة نجيب محفوظ في هذه الرواية وككل رواياته لغة شفافة واضحة لا تكلف فيها، يحرص على جعلها معبرة من خلال إيحاءاتها الخاصة. يستعمل الروائي اللغة العربية الفصحى، ويوظف العديد من الكلمات و التعابير من العامية المصرية بلا مبالغة. يحرص محفوظ على نقاء لغته وتكثيفها. ونلاحظ أن الروائي يعطي لكل شخصية ما يناسبها من لغة حسب ثقافتها وموقعها الاجتماعي، فهناك لغة نور ولغة الجنيدي ولغة سعيد مهران الخاصة التي يوظف فيها رمزية الحيوان ويوزعها على خصومه.
*الحوار : وظف الروائي السرد في تقديم المادة الحكائية من منظور الشخصية المحورية سعيد مهران، ولكنه لم يكتف بذلك إذ عمد إلى استعمال العرض أو الحوار بين الشخصيات للمزيد من إلقاء الضوء على عوالم الرواية.
إن أول نوع من الحوار الذي نجده مهيمنا في الرواية بكاملها هو الحوار الداخلي، ويبرز لنا هذا الأسلوب في اللحظات التي يكون فيها مهران متوجها نحو شخصية ما ( عليش أو علوان ) في بداية الرواية ، أو عندما يخلو إلى نفسه ويكون وحيدا، يفكر في ما جرى لنور. ومن الأمثلة الموضحة لهذا النوع : " ... كي أجد نفسي ضائعا بلا أصل وبلا أمل، خيانة لئيمة..."
تهيمن هذه الحوارات الداخلية التي تأتي على شكل هلوسات واستطرادات واستبطانات لا تعرف النظام ولا الترتيب . ثم هناك الحوار بين الشخصيات الذي نستشف منه صورا جديدة للشخصيات وهي تتحاور فيما بينها . تتميز هذه الحوارات بالقصر والتكثيف، وتخلو من الإسهاب، إنها تعبر بدقة عن أفكار ومشاعر الشخصيات وثقافتها. ويكفي أن نتأمل الحوارات التي جرت بين مهران و الجنيدي لنجد أن كل شخصية تتحدث بلغتها الخاصة، الشيء الذي حال دون التواصل بينهما.
*سجلات اللغة : تتعدد السجلات اللغوية في الرواية بتعدد الشخصيات ، وأهم هذه السجلات هي :
- لغة سعيد مهران : إنها لغة قاسية وعنيفة وساخرة وذات حمولة تتصل بماضيه كلص ورجل له مكانة وشخصية قوية. يبدو لنا في كثرة سبابه الجارح وهو يصف أعداءه رابطا إياها بعالم الحيوان.
-اللغة الصوفية : يبدو هذا السجل خاصة مع الشيخ الجنيدي.إنها لغة ذات مسحة دينية، تتناص مع القرآن الكريم، ويغلب عليها الإيحاء الذي يسلب عنها بعدها الدنيوي .
- اللغة الشعبية : لم يكثر الروائي من استعمال اللغة العامية، إذ نجد بعض التعابير القليلة :" لُقطة" " حزر فزر".
- اللغة القانونية : نمثل لها بلغة علوان الذي كان يحاج مهران بالقانون، أو في نداء البوليس وهم يطلبون من مهران الاستسلام.
*الرؤية إلى العالم : إن اختلاف العوامل واختلاف مواقفها الاجتماعية وسجلاتها اللغوية ،ينعكس على طبيعة رؤيتها للعالم،إذ نميز بين:
الرؤية الدينية : نسجلها في أبرز صورها مع الشيخ ومريديه، إنهم يتعاونون،يمارسون الصلوات، يتعاطفون...
الرؤية الانتهازية : يجسدها موقف الشخصيات العدوة، فهي تبرر سلوكها على حساب المثل والأخلاق .
الرؤية العبثية : يجسدها مهران، إذ لم يعد يرى للحياة أي قيمة، لقد ضاع كل شيء: المال الزوجة البنت، لا مال ولا مستقبل.
الرؤية الشعبية : وهي التي تبدو لدى الأوساط الشعبية همها تدبير شؤونها ، ونور خير مثال لذلك.
نماذج من المواضيع في المؤلفات
النموذج الأول
" تمثل سناء ونور مناطق الضوء في حياة سعيد مهران المظلمة بعد أن ضاقت به الدنيا من كل جانب، وهما همزة وصل بين عزلته ووحدانيته وبين رغبته في استعادة مكانته داخل المجتمع بعد القضاء على الخونة و الكلاب. مع البداية أخفق سعيد في استرجاع ابنته ، وف نهايتها خسر نور التي كانت تحميه، وذلك دون أن يتسنى له رؤيتهما ، فتحولت حياته إلى عبث "
أكتب موضوعا تحلل فيه القولة في ضوء ما يلي :
- أبرز المكانة النفسية التي تحظى بها سناء ونور في قلب سعيد.
- ما القوى الفاعلة الأخرى التي ساعدت سعيد ؟ وبين دورها .
- أبرز خصوصية الرؤية السردية في اللص والكلاب.
النموذج الثاني
" يخرج سعيد مهران من السجن ليجد نفسه في سجن أكثر اتساعا و قسوة "
اكتب موضوعا إنشائيا تحلل فيه القولة .
النموذج الثالث
" يستخدم نجيب محفوظ طريقة الراوي الذي يتحدث بضمير الغائب ولكنه يروي الأحداث من وجهة نظر الشخصية
الرئيسية . كما يوظف لغة متنوعة تعطيه إمكانات أوسع في رسم شخوصه وبناء حكايته ."
اكتب موضوعا إنشائيا تحلل فيه القولة في ضوء ما يلي :
- الرؤية السردية المعتمدة وأساليب السرد
- اللغة و الأسلوب في الرواية
النموذج الرابع'
" الخيانة من الموضوعات الأساسية التي أثارتها رواية" اللص والكلاب" لنجيب محفوظ .
حلل القولة مبينا كيف كانت الخيانة دافعا قويا لفكرة الانتفام عند سعيد ، وماهو نوع الحل الذي اختاره لتنفيد مخططه؟ .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ahmadmatar68.forummaroc.net
 
دراسة المؤلفات " اللص و الكلاب" نجيب محفوظ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى عين أسردون :: تربية و تعليم-
انتقل الى: