منتدى عين أسردون
بكل الحب و التقدير نرحب بزوارنا الأعزاء في منتداهم .
عين أسردون مساحة للتعبير ، للحوار ، للمعرفة ، للسفر في عالم الكلمة الساحرة
منتدى عين أسردون
بكل الحب و التقدير نرحب بزوارنا الأعزاء في منتداهم .
عين أسردون مساحة للتعبير ، للحوار ، للمعرفة ، للسفر في عالم الكلمة الساحرة
منتدى عين أسردون
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أدب -فكر-إبداع-تربية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 فــي الليـــــــــل لبدر شاكر السياب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 31
تاريخ التسجيل : 18/02/2011

فــي الليـــــــــل لبدر شاكر السياب Empty
مُساهمةموضوع: فــي الليـــــــــل لبدر شاكر السياب   فــي الليـــــــــل لبدر شاكر السياب I_icon_minitimeالثلاثاء مارس 01, 2011 1:01 pm

إن المقاربة الدقيقة والمتأنية لعتبات قصيدة "في الليل" ، تسمح بالقول أن السياق الأدبي والاجتماعي والثقافي الذي يؤطر النص يتعلق بشعر تكسير البنية، الذي جسد حلقة جديدة في مسار تطور ونمو القصيدة العربية، حيث لم يتوقف خط التطور الذي رسمته حركية الشعر عند تجربة الرومانسيين، إذ استمر في التغير والتحول استجابة لتحولات المجتمع وتفاعلاته، فكان من الضروري بروز نمط شعري يرى أن الالتزام بالمقاييس الموروثة أصبح يحول دون تطور الشعر في مواكبة متطلبات الحياة الجديدة ، نمط شعري أملته ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية من صراع سياسي ضد الهيمنة الاستعمارية، والإحساس بالنكبة بضياع فلسطين، وصعود المد الاشتراكي،وامتداد حركات التحرر في الوطن العربي التي غذت طموحات الشعوب العربية من أجل التحرر والعدالة و الديمقراطية، فكان شعر تكسير البنية أو ما يصطلح عليه بالشعر الحر يعكس حلما جماعيا مسكونا بهاجس التغيير، ويجسد طموحا إبداعيا يتوق إلى الخروج عن التقاليد التي تعيق التطور و التجديد .
لقد بدأت هذه الدعوة ترسي أسسها بمحاولات للخروج عن هيكل الشعر وبنائه ، وتحرير ه من سيطرة الأوزان، كما اعتمدت وسائل تعبيرية جديدة وأساليب مبتكرة من انزياحات ورموز و أساطير سمحت للشاعر ببلورة رؤاه عن العالم وتجسيم أفكاره ومشاعره المسكونة بهاجس الخوف والإحساس بالغربة والضياع و الهزيمة، فجاءت القصيدة رؤية شاملة ذات أبعاد إنسانية تعكس انفتاح وتفاعل الشاعر مع الثقافات والآداب العالمية المعاصرة مع احتضان التراث وتوظيفه باعتباره رموزا وقيما إنسانية وجمالية ، مجسدة ما يسمى بشعر الرؤيا الذي يعكس موقفا جديدا من العالم والأشياء، وتصورا يتجاوز، في نظرته للوجود، حدود الظاهر وحدود الذاكرة والعقل ، و يخلخل السائد ويكشف عن علاقات جديدة تعيد ترتيب الأشياء وخلق عوالم جديدة تنصهر فيها تجربة الشاعر وتجربة المتلقي.
بدأت هذه الحركة الشعرية الثورية مع أعمال جيل الرواد، نازك الملائكة ،صلاح عبد الصبور يوسف الخال عبد الوهاب البياتي وبدر شاكر السياب الشاعر العراقي الذي ولد بقرية جيكور بالبصرة، ساهمت الكثير من العوامل في تشكيل ملامح شخصيته بعضها يرجع إلى طفولته الفاقدة لحنان الأم، وبعضها يرتبط بإحساسه بدمامة خلقته وصراعه مع الفقر، فجاء شعره صورة نابضة بأحاسيسه التي غذتها الخيبات الكثيرة، شعر تأرجحت حياته بين المرحلة الرومانسية والمرحلة الواقعية فالتموزية ثم المرحلة الذاتية، كل ذلك ساهم في تشكيل ذائقة شعرية أفرزت شعرا غزيرا جمع في دواوين كثيرة تزخر بقصائد تعكس حسا مرهفا وملكة شعرية متفردة ورغبة في تجديد القصيدة ، وما نص "في الليل" إلا نموذج يمكن الاستدلال به على هذه الحساسية الشعرية المتميزة .
فما هي تجليات انتماء هذه القصيدة لشعر تكسير البنية؟ وما هي مقومات الرؤيا المعتمدة فيها؟

إن البحث عن إجابات لهذه الأسئلة تدفعنا إلى إقامة حوار مع هذا العمل الشعري المعنون ب " في الليل" من خلال مساءلة عناصره الفنية و الشكلية البنائية واستنطاق عتباته الخارجية ، فتمنحنا إمكانات لفك رموز النص المشفرة وبالتالي فهم إشاراته واستيعاب مضامينه و جمع شتات معانيه، ولعل أول ما يطالع القارئ ويثير انتباهه هو الشكل الخارجي الهندسي للقصيدة الذي جاء مخالفا للتوقعات ومغايرا للمألوف في الشعر العمودي ، إذ غابت فيه الأشطر المتناظرة ومعها البحر الشعري الخليلي واختفت رتابة القافية والروي الموحدين، فاعتمد بالمقابل على أسطر شعرية متفاوتة الطول بتفعيلات تفاوت توزيعها بين الأسطر ونظام جديد للقافية وروي متنوع يساهم في تنويع الإمكانات الموسيقية والإيقاعية للقصيدة ، كل هذا يؤكد بشكل قاطع على أن قصيدة "في الليل" تجسيد لشعر تكسير البنية .
إذا كان الشكل الهندسي للقصيدة قد أسعفنا في الإجابة عن سؤال الخصوصيات البنائية للنص، فإن العنوان سيسهم بدوره في فك بعض الرموز، وفي رسم معالم المسار الدلالي، و ملامسة موضوع القصيدة لما يقدمه من معلومات، وبالتالي فإنه يضطلع بوظيفة إشارية إلى البداية وإيحائية للمضامين، من هذا المنطلق يأتي رهاننا على عنوان القصيدة "في الليل" الذي يتكون ظاهريا من وحدتين لغويتين، كل واحدة منها تحمل دلالة خاصة وتحيل على معنى معين :
- "في" : حرف وظيفته الجر : ويتميز عن غيره من حروف الجر بمعناه الخاص الذي يستمده من الكلمة التي تصاحبه في السياق، إذ يرتبط عموما بمعنى المكان والزمان .
- " الليل" : اسم معرف، وهو الجزء المظلم من اليوم حيث يمتد من غروب الشمس إلى طلوع الفجر وبالتالي ينفرد بمواصفات خاصة يدركها المتلقي وتستقر في ذهنه من ظلام وسكون ، وكونه قترة للنوم و الراحة .
غير أن هذه القراءة التفكيكية للعنوان لم تكشف عن أسرار القصيدة ، لذلك لابد من النظر إليه في تركيبه العام ، في هذا الإطار نشير إلى أن "في الليل" تجسَّد في شكل شبه جملة من الجار و المجرور، وهو رغم بساطته الظاهرة فإنه يصنف ضمن العناوين الغامضة التي لا تجيب عن الأسئلة وإنما تستفز القارئ لطرح الكثير منها : هل ليل الشاعر هو نفسه الليل الحقيقي المعروف ؟ ماذا يحدث في هذه الفترة المظلمة ؟ ما علاقته بالشاعر؟ هل يحضر الليل بنفس دلالاته وإيحاءاته عند الشاعر القديم أم يتبنى الشاعر رؤيا جديدة ومغايرة عن الليل ؟ أمام هذا الوضع يصبح من الصعب تحديد موضوع للنص بشكل دقيق يجمع شتات تلك الأسئلة كلها مما يؤشر منذ البداية على أن القصيدة ليست مرتبطة بموضوع واحد بل تتعدد تيماتها وتتنوع أبعادها .
إن الإجابة عن مختلف تلك الأسئلة لن تتم إلا بممارسة فعل القراءة الفاحصة للنص بفك رموزه قصد تشكيل رؤية تفصيلية أكثر تحديدا لأجزاء هذا العالم الشعري وفهم أبعاده .
تتشكل قصيدة " في الليل " من ثلاثة مقاطع اتخذت شكل مشاهد تتداخل وتتكامل فيما بينها لترسم ملامح تجربة شعرية يفرض الشاعر فيها حضوره المهيمن من خلال تأسيس علاقات مع أطراف أخرى : الغرفة من جهة والأم من جهة ثانية. فما هي طبيعة العلاقة المؤطرة لهذه الأطراف الثلاثة خصوصا في ظل الحضور اللافت لمعجم يثير في نفسية المتلقي الإحساس بالخوف : موصدة، الصمت، المقبرة، كفني، عزريل...؟
المشهد الأول : يشغل حيزا فضائيا يمتد من بداية النص إلى السطر الثاني عشر: يرسم فيه الشاعر صورة للغرفة التي يرقد فيها ، صورة تتأثث وتتشكل ملامحها من خلال الانغلاق والصمت وانسدال الستائر ، مما يؤشر على العزلة والانقطاع عن العالم الخارجي. كل ذلك انعكس على الثياب التي يرتديها الشاعر ، إلى جانب لونها الأسود استحالت فزاعة بستان كناية عن ضعف الجسد الذي يرتديها .
المشهد الثاني : تتأسس بدايته عند السطر الثالث عشر وينتهي امتداده النصي عند السطر الثاني والثلاثين : ويشكل مشهدا حواريا وهميا ومتخيلا بين الشاعر وأمه ، يرسم موعد اللقاء بينهما ، لقاءٌ يتم على إيقاع الموت حيث تحضر مقوماته وعناصره من : مقبرة وكفن وعزريل ولحد ، لقاءٌ بوابته القبر ومحطته يوم الحشر والدار الآخرة حيث ستتعهده أمه بالرعاية والحنان اللذان افتقدهما الشاعر في حياته .
المشهد الثالث : جاء مختزلا في السطرين الأخيرين، ورغم ضيق المساحة النصية التي شغلها ، فإنه يكتسي أهمية بالغة في إتمام الصورة الدلالية العامة للنص ، إذ به ينتهي حوار الشاعر مع أمه ، وبه تبتدئ رحلة الشاعر من المستشفى إلى العالم الآخر للقاء أمه ، وتلك حقيقة أيقن الشاعر من حتميتها .
إن قصيدة " في الليل" كونٌ شعري بؤرته الذات الشاعرة تشكل بنائيا من تداخل ثلاثة مشاهد تكاملت فيما بينها لترسم ملامح تجربة حياتية لبدر شاكر السياب عاش تفاصيلها في غرفة المستشفى، وتعكس معاناته مع
المرض ، فجاءت مفعمة بمعاني مختلفة تلتقي كلها عند تيمة جوهرية هي : الموت، لذلك يصبح من المشروع في نهاية هذه الرحلة الاستكشافية عبر تفاصيل القصيدة التساؤل عن علاقة كل هذا بالليل الوارد في العنوان .
إن التباعد الكبير بين مضمون القصيدة و العنوان يدفعنا إلى الاعتراف بأن أفضل ما يوصف به بناء القصيدة هو أنها قصيدة رؤيا تعكس تصورا جديدا ومنظورا مخالفا للسائد و المألوف بخصوص الليل، وبالتالي فالقصيدة تعبر عن رؤيا شعرية متميزة خلقت عالما جديدا من خلال تفكيك وتجاوز النمطي السائد ، فالليل لم يعد تلك الفترة الزمنية المؤطرة بالغروب وطلوع الفجر والمتسمة بالسواد والسكون و تستغل للنوم ، بل أصبح عالما جديدا يجد دلالته في أبعاده الرمزية التي تحيل على المرض و المعاناة والموت ، بهذا المعنى أصبح الليل مرادفا للموت .
على غير العادة في القصائد البعثية و الشعر الذاتي ، لم تتخذ قصيدة السياب " في الليل " مسارا دلاليا محددا ، بل تعددت مساراتها وتشعبت بين الشاعر والغرفة و الأم و الموت، فجاءت القصيدة بذلك تجربة شعرية شاملة تنطلق من ذات الشاعر لتأخذ أبعادا أوسع، ولتتوحد بالإنسان بصفة عامة، هذا الطابع الشمولي تجسد في القصيدة من خلال معجم تعددت حقوله الدلالية وتنوعت بين :
• حقل الإنسان ، الذي تمثله نصيا الألفاظ التالية : أثوابي، نفسا، صديق، أمي ، رفيق،جوعان، أشواقي ...
• حقل الموت : سود، الموت، المقبرة، الثكلى، كفني، عزريل، لحدي، يوم الحشر.
• حقل المكان : الغرفة، شباكي، طريق، بستان، الأرض، دربي....
• حقل الزمن : الليل، سريت، الزمن، يوم الحشر ...
تأسس معجم القصيدة على وجود أربع تيمات : الإنسان، الموت، الزمان والمكان والتي تتعالق فيما بينها و تترابط بخيط دلالي رفيع فتحدد إشكالية فلسفية أرَّقت ذهن السياب في مراحله الأخيرة وجعلها الأساس الذي بنى عليه هذا الصرح الشعري، إنها إشكالية صراع الإنسان الأبدي في حياته ضد الموت والزمن .
إذا كانت القصيدة قد استهلت مشروع تحديث الشعر بخلخلة وتكسير البناء الخارجي و بالتخلي عن مضامين القصيدة البعثية و الذاتية، فإن الأمر لم يقف عند حدود ذلك،بل تعداه إلى خلخلة سكونية اللغة الشعرية، حيث مسح عنها الاجترار واعتمد لغة جديدة سلسة واضحة بسيطة تعانق الحياة اليومية بتفاصيلها الصغيرة : الشباك ، المقبرة ، الخروب، الديك ، الأم . لكن خلف بساطتها الظاهرة تكمن صعوبتها وغموضها، إذ لم يوظفها السياب بدلالتها المعجمية المعروفة ، وإنما حمَّلها بدلالات رمزية إيحائية جديدة تتناسب و السياق النصي العام .
إن مشروع تحديث القصيدة العربية لم يقف عند حدود مضامين التجربة الشعرية ، بل تجاوزه إلى تحديث مختلف الوسائل التعبيرية و الأدوات التي يعتمدها الشاعر في بناء عوالمه الشعرية من لغة اقترب بها من تفاصيل الحياة اليومية ، غير أن هذه المغامرة التحديثية لم تقف هنا، بل شملت أيضا الصورة الشعرية ، حيث إن الشاعر لم يعد يهتم بتحرير أخيلته من تسلط التراث البياني عليها، بل تعدى ذلك إلى الدأب على توسيع أفق الصورة نفسها، لتتسع لأكبر قدر من الاحتمالات والدلالات والمعاني المتصلة بأعماق التجربة ، ويمكن الوقوف على ذلك من خلال قراءة الصورة التالية :
" رب طريق
يتنصت لي ، يترصد بي خلف الشباك ، وأثوابي
كمفزع بستان ، سود
أعطاها الباب المرصود
نفسا، ذرَّ بها حسا ، فتكاد تفيق
من ذاك الموت ، وتهمس بي ..."
يذهلنا حقا أن نقف عند هذا الشريط القصير من الصور" طريق يتنصت"،" طريق يترصد"، "أعطاها الباب نفسا وذر بها حسا "، أثوابي تكاد تفيق"،"أثوابي تهمس بي"، فنجد أنفسنا أمام عديد من الأسئلة عن مدلول هذه الصور في ذاتها وفي علاقتها ببعضها ثم مدلولها في علاقتها بتجربة السياب نفسه، والجواب يكمن في الاقتراب أكثر من هذه الصور ، إذ نلاحظ وجود نوع من التوتر والتنافر وعدم الانسجام الدلالي بين مكوناتها، فالطريق لا يتنصت ولا يترصد و الأثواب لا تتنفس ولا تحس ولا تهمس ، بمعنى أن الشاعر قد انزاح بلغته بعيدا عن معانيها المألوفة القريبة ومنحها دلالات تتناسب والرؤيا التي يعبر عنها، مما يؤكد على حضور ظاهرة الانزياح ، ف"الطريق" يرمز إلى الحياة و"الأثواب " ترمز إلى الإنسان الذي يتنفس ويحس و يهمس ، و بالتالي فالصورة تعبر عن حياة السياب وما يعانيه فيها من أزمات ومشاكل منها المرض الذي ألم به وأضعفه لدرجة أنه حينما يرتدي ملابسه يصبح كفزاعة الحقل .
كل هذا يؤكد بشكل قاطع أن التصوير عند السياب خرج عن المألوف في التصوير عند البعثيين والوجدانيين، حيث استطاع الشاعر التعبير بالصورة تعبيرا يبتعد بأسلوب القصيدة عن اللغة التقريرية الجافة والإسهام في إقامة بناء القصيدة العام عن طريق حركة الخيال، باعتماد ظاهرة الانزياح، وتخلصت الصورة من البساطة في التركيب إذ جاءت مركبة من عديد من الصور الجزئية ومعانيها أكثر عمقا وبعدا تحتاج لكبير جهد للإمساك بمقاصدها الدلالية ، لذلك فهي تضطلع بوظيفة تجاوزت التزيين إلى التعبير والإيحاء .
لقد أدرك الشاعر الحديث أن كل تجربة جديدة لا تعبر عنها إلا لغة تستوحي صيغها التعبيرية وصورها البيانية وإيقاعاتها الموسيقية من التجربة نفسها ، وانطلاقا من هذا الإدراك راح يبحث عن أدوات تعبيرية جديدة تسعفه في التعبير عن أفكاره وهواجسه ، لذلك وجدنا السياب في هذه القصيدة لم يعبر بلغة مباشرة وإنما لجأ إلى الرمز ليصور من خلاله تجربته ، فالليل تعدى دلالته الاصطلاحية ليرمز إلى الموت والمعاناة، إضافة إلى الليل فالنص يزخر بكلمات وظفت بدلالتها الرمزية نستدل عليها ب :
- "الغرفة ": ترمز نصيا إلى الانغلاق والوحدة والعزلة .
- " الطريق : وظف بدلالة الحياة .
- " المقبرة" : ترمز إلى الموت ، الفناء ، مكان للقاء .
- "الأم " : ترمز إلى الرعاية ، الحنان ..
على الرغم من كل الذي تحقق لهذه القصيدة من تطور، على صعيد التجربة، وعلى صعيد اللغة والتصوير البياني ، فإن أكثر ما يلفت الانتباه فيها هو التطور الذي أصاب أسسها الموسيقية، وهو تطور تحقق من خلال تكسير الأصول الموسيقية الموروثة حيث يتيح للشاعر حيزا أوسع لأن يحرك أحاسيسه وعواطفه وفكره ، ويمكن رصد مظاهر هذا التطور في الأسس الإيقاعية من خلال الوقوف على مستويين متكاملين :
- مستوى الإيقاع الخارجي : يتحقق هذا النمط الإيقاعي نصيا اعتمادا على :
* الوزن : إن الأساس الموسيقي الذي ارتكزت عليه القصيدة هو التفعيلة الواحدة المتمثلة في تفعيلة بحر الكامل (متفاعلن) ، مع عدم التقيد بعدد موحد من التفعيلات في الأسطر التي جاءت متفاوتة في الطول.
* القافية : لقد تخلص السياب من رتابة القافية الموحدة واعتمد نظاما جديدا للتقفية تحقق نصيا بالأنواع التالية :
- القافية المركبة في قوله : (2) والصمت عميق
(4) رب طريق
وأيضا في الأسطر (1)و(5) – (28)و(31)
- القافية المرسلة في قوله : (1) الغرفة موصدة الباب
(2) و الصمت عميق
(3) وستائر شباكي مرخاة
- القافية المتتابعة في قوله : (6) كمفزع بستان، سود
(7) أعطاها الباب المرصود
وأيضا في الأسطر : (11)و(12) - (15)و(16) – (23)و(24).
*الروي : في موجة التحديث عمد الشاعر إلى تجاوز رتابة الالتزام بتكرار صوتية واحدة في نهاية الأسطر بتنويع الروي ، فالأسطر تنوعت نهاياتها بين: الباء، القاف، الدال، اللام ، النون، الميم .....
- مستوى الإيقاع الداخلي : يتحقق هذا النوع من الإيقاع نصيا من خلال مجموع التجانسات الصوتية التي تتشكل بتكرار الوحدات اللغوية الصغرى و الكبرى :
* تكرار الحروف : شهدت القصيدة تكرار جملة من الحروف التي ساهمت في تنويع الإمكانات الموسيقية كما ساهمت في الكشف عن الحالة النفسية للشاعر ،من هذه الحروف نذكر: الصاد، السين ، الميم ، اللام ، الباء....
* تكرار الكلمات : سواء الكلمات المتماثلة في بنيتها الصوتية من قبيل : الغرفة، الباب، المقبرة،أمي، الوهم، الصمت ....أو كلمات متقاربة في بنيتها : أثوابي/ ثيابي- شباكي / الشباك-
إن تكرار هذه الكلمات بنوعيها حقق للقصيدة توازنات صوتية كما ساهم في إغناء المعاني و الدلالات وترسيخها في ذهن المتلقي .
* تكرار العبارات : رغبة منه في تنويع الإمكانات الموسيقية للقصيدة وتحقيق نوع من التميز ، لم يقف الشاعر عند حدود تكرار تلك الأجزاء اللغوية ، بل تجاوزها إلى تكرار بعض العبارات تأكيدا على أهميتها في تشكيل الدلالة العامة للنص ولمساهمتها في رسم ملامح الحياة النفسية والشعورية لدى الشاعر، من هذه العبارات :" الغرفة موصدة الباب ".
لا ريب في أن أهم ما يميز الإطار الموسيقي لهذه القصيدة هو تكسير البنية الإيقاعية القديمة ، ويمكن حصر مظاهر هذا التكسير فيما يلي :
• تفتيت الوحدة الموسيقية القديمة المتمثلة في البيت الشعري، ذي الشطرين المتساويين واعتماد السطر الشعري بدلا عنه .
• اعتماد نظام التفعيلة الواحدة كأساس للوزن وتوزيعها توزيعا يتباين فيه عدد التفعيلات من سطر إلى آخر، وتتحكم فيه الدفقة الشعورية وحركة المشاعر و الأفكار والأخيلة .
• اعتماد نظام جديد للقافية خلص الشاعر من رتابة توحيدها ، وأصبحت جزءً من البناء الموسيقي العام للقصيدة ، كما أصبحت أكثر مرونة إذ تخضع لحركة المشاعر و الأفكار.
• تنويع الروي .
• تنويع الأضرب في نهاية الأسطر الشعرية.
إلى جانب كل ما سبق ، يمكن القول أن هذه القصيدة تنفرد بجملة خصوصيات لغوية وأسلوبية زادت من القيمة الفنية للنص منها:
* الأفعال : عرفت القصيدة حضورا مكثفا للفعل المضارع "يتنصت" "يتربص" الذي يفيد الاستقبال ، وفي ذلك إشارة إلى أن تجربة المرض و المعاناة يعيشها الشاعر في حاضره ولازال يعيشها ،أي أنها مستمرة في الزمن ولم تنته بعد .
* الجمل : يتميز نظام الجملة في القصيدة بهيمنة الجملة الخبرية : " الصمت عميق" وذلك لأنها تمنح الشاعر إمكانية إخبار القارئ وإطلاعه على تفاصيل تجربة المرض التي يعيشها .
* توظيف الأساليب اللغوية من قبيل :
- النفي : "لم يبق صديق "
- الاستفهام : " أتأكل من زادي ...؟ "
- الأمر : " والبس من كفني ".
- النداء : " يا أغلى من أشواقي ".
إن حضور هذه الأساليب اللغوية يعكس رغبة الشاعر في تأسيس علاقة مع المتلقي تقوم على الإقناع والتأثير فيه ، إقناعه بأن تجربة المرض و المعاناة أمر لا يعني الشاعر وحده بل يهم كل الناس . كما أن حضور هذه الأساليب يؤشر على توتر واضطراب الحالة النفسية للشاعر .

خلاصة القول ، إن قصيدة " في الليل" لبدر شاكر السياب تجربة شعرية أفردها لذاته المريضة ، ليصور من خلالها تجربة المرض والمستشفى ، غير أنه ركب الخيال وجعله أداة نقلته إلى عوالم بعيدة،مكنته من لقاء أمه في الدار الآخرة. وقد راهن السياب ، في تأسيس هذا العالم الشعري ، على وسائل وأدوات تعبيرية جديدة أتاحت له إمكانية خلق تجربة شعرية متداخلة الأبعاد ومتشعبة المعاني عبَّر من خلالها عن رؤيا مخالفة للمألوف والسائد بخصوص الليل. لقد راهن على معجم تنوعت حقوله الدلالية وأوغلت ألفاظه في الرمزية ، وصور بيانية تطورت عن الموروث في تركيبها وتعقيدها ووظيفتها ، وأسس موسيقية كسرت كل مقومات الإيقاع في الشعر القديم ، إلى جانب استحداث أدوات تعبيرية جديدة من انزياح ورمز.
كل هذا يدفعنا إلى القول أن قصيدة " في الليل" نموذج للشعر الحديث الذي شكل قطيعة مع الموروث الشعري بما أحدثه من تطور واضح في المضمون و اللغة و الصور البيانية أحدثه من خلخلة في شكل القصيدة القديمة وبنيتها، وفي سكونية اللغة ، وفي بساطة الصور، وفي رتابة الإيقاع.
فهل الحداثة خاصية طبعت عموم شعر السياب أم أن هناك بعض الحنين لرصانة ومتانة الشعر القديم في بنائه ولغته وصوره وإيقاعاته ؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ahmadmatar68.forummaroc.net
 
فــي الليـــــــــل لبدر شاكر السياب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى عين أسردون :: تربية و تعليم-
انتقل الى: