يذهب مجموعة من المؤرخين و الباحثين إلى أن بني ملال من أقدم المناطق التي استقر بها الإنسان في شمال إفريقيا ، و يجدون لذلك تبريرا في الكهوف المنتشرة تحت أحياء المدينة القديمة و التي يؤكد شكلها و موقعها على أنها من صنع الإنسان، إذ استعملت في حفرها أدوات حديدية منحتها أشكالا هندسية محددة، و بالتالي فقد شكلت نمطا جديدا من التعمير البدائي( الأقبية، الغرف، الممرات...). وقد أكدت الروايات الشفهية المتداولة بين ساكنة المدينة أن الأجداد استعملوا هذه الكهوف للاحتماء و الاختباء من العدو على إثر الحروب المتفرقة التي تنشب بين سكان الدير و القبائل المستقرة في الجبال عبر تاريخ مدينة داي القديمة .
نفس المشهد تكرر مع الأبناء في بني ملال الحديثة التي تأسست داخل مكان يعرف ب " السور" حيث بنوا منازلهم فوق أراض دون أن يعرفوا خريطة توزيع تلك الكهوف و امتداداتها في أسفل القصبة ( القصبة الكبيرة )، التي استعملوها بدورهم في مقاومة الاستعمار الفرنسي و كمخابئ لرجال المقاومة .
بمرور الزمن ، عرفت المدينة امتدادا كبيرا في جميع الاتجاهات إذ فرض التزايد السكاني نشاط حركة التعمير و البناء بعيدا عن الوسط ، وبقيت تلك الكهوف حاضرة أسفل المدينة شاهدة على تاريخ إنسان حفرها و استعملها ، لكنها لم تعد تستعمل في إهمال تام لها لتدخل عالم النسيان، غير أنها بين الفينة و الأخرى تعلن عن وجودها بابتلاع أحد المنازل التي تتساقط مع تهاطل الأمطار ، لتفتح ذاكرة مكان شاهد على تاريخ قديم لهذه المدينة الخالدة .